بُودَابِسْتْ | BUDAPEST
بودابست - المَجَرْ | Budapest - Ungarnبُودَابِسْتْ | BUDAPEST
نورالدين الغَطَّاسْ – NOUREDDINE RHATTAS
الذي يُهَاجِر لا يبحثُ دائمًا عن القوت، ربما يبحثُ عن شيء آخر، لمسة، دفئ، سلام، حب وبالأحرى حُرية…
مسحتْ نَادْيَا آخر الدموع على خديها وهي في طريقها الى المطبخ لإرواء عطشها الشديد، وقفت امام نافدة المطبخ التي تُطِل على فضاء المدينة، بينها وبين نهر “الدَنُوب” ببُودَابِسْتْ شارعين واسعين، أضواء البواخر تنعكس على مياه النهر، آخر العُشَّاق في عجلة للالتحاق بالباخرة التي أوشكت على الانطلاق، تحمل في جوفها مئات النفوس للاحتفال برأس السنة فوق مياه النَّهر. رَنَّ صوت بداخلها:
“أَلِكْسْ” صحفي، يعمل كمراسل لمجموعة من المجلات الألمانية، يتنقَّل بين بُودَاِبسْتْ بالمجر وكُولُونْيَا بألمانيا، في منتصف الثلاثينات من العمر، رجل من أصول مجرية ألمانية، يحب الفن، الأدب والسفر، كل علاقاته مع النساء لم تكن مفلحة، يُرجع سبب ذلك الى سطحية النساء الاتي تعرف عليهن، في علاقة حب وكراهية مع مدينة كُولُونْيا، يحبُ ألوانها المختلفة، البشرية، الثقافية والعمرانية. يكرهُ مثلا اكتظاظ حركة السير والبحث الدائم عن مكان مناسب لاستيداع سيارته. يُفضل بُودَابِسْتْ في الصيف والشتاء، في الشتاء بحماماتها التركية العتيقة، وفي الصيف التجوُّل على قناطرها التاريخية والجلوس بواحات المقاهي التي تتوسط بناياتها المهجورة، أحَبَّ “أَلِكْسْ” بُودَابِسْتْ أكثر بعد تعرفه على ناديا.
في الطريق بالمِيتْرُو أسندتْ ناديا رأسها على كتفِ “أَلِكْسْ” وسأَلتهُ عن المضيفون والضيوف.”كَاتَلِينْ” و”تَمَاشْ” هم أصحاب البيت، أناس طيّبون، أعرفهم مند مدة طويلة، خصوصا “كَاتَلِينْ”، درسنا جميعا في نفس الثانوية وحصلنا سويا في نفس السنة على “الأَبِيتُورْ”، الباكالوريا الألمانية. لذا شاءت الظروف ان نلتقي من جديد ببُودَابِسْتْ. “كَاتَلِينْ” فضولية الطباع، ستُحاول ان تتعرَّف عليكِ من خلال طرح أسئلة كثيرة. تريد دائما معرفة كل التفاصيل. أتمنى ألا تحرجكِ أسئلتها. أما “تَمَاشْ” فهو رجل اعمال، مدير بشركة “أُودِي” للسيارات هنا بالمجر، غريب شيئا ما، دعيني أقول إنني لا أعرفه جيدا. “كَاتَلِينْ” و “تَمَاشْ” لهم أصدقاء كثيرون، خصوصا المجر ذو الأصل الألماني، أحيانا أعتقد أن “كَاتَلِينْ” تحبُ الاحتفال بكل مناسبة، تبحثُ عن الألفة وسط الأصدقاء، ربما تشعرُ بالوحدة مع “تَمَاشْ”، لا أدرى، من المحتل أن يكونوا اناس آخرون هناك.
استغرقَ الطريق حوالي نصف ساعة. الاستقبال كان حارّا، خصوصا من “كَاتَلِينْ”، لقد حكى لِي “أَلِكْسْ” الكثير عنكِ وأنا سعيدة للتعرف عليكِ، استحضرت ناديا ما قاله لها “أَلِكْسْ” عن فضولية “كَاتَلِينْ”. البيت بالطابق الثاني، العمارة بُنِيت على أقدام جبل “كِلِرْتْ Gellért„، على الضفة الأخرى من نهر الدنوب،”بُودا”. الشقة تبدو واسعة، كل الضيوف اجتمعوا على البلكون الذي يطل على النهر، النبيذ الأحمر المجري والبيرا الألمانية يرافقون الحفل وقهقهات الرجال ترتفع مع تقدم الليل، أكدت”كَاتَلِينْ” أكثر من مرة أنها سعيدة بحضور ناديا، شرحتْ لها أن “الكُولَاشْ” حلال، لحم البقر، اشترته لدى الأتراك بالمدينة. هيَّأته بطريقتها بدون استعمال النبيذ الأحمر كما هو معتاد. شكرت ناديا “كَاتَلِينْ” عن حُسن الضيافة واتفقتا ان تلتقيا من جديد للتعرف على المدينة.
في طريق العودة بالتاكسي كان “أَلِكْسْ” في ثمالة لاَ تعرفُها نَادْيَا عنه من قبل. ألقى بنفسه على أقرب أريكة بالغرفة، تَرْتَرَ كلام لم تَفهمهُ، ربما ألماني أو مَجَرِي، وقف، مشى هنا وهناك، أخيرًا فهمت ما يُتَعتِعُ:
“دَعَوْتُ السماء والأرض ليحتفلوا معي، رفضت السماء الحضور بدعوى منكر، غضبت الأرض وهي تعزف سمفونية الحياة لي. قلتُ للسماء والأرض، كفاني الاحتفال مع وردتي، وردة الصحاري…”
نَامَ “أَلِكْسْ” على الأريكة بدون تنظيف أسنانه.
“عندما كنتِ صغيرة، كنتِ تحلمين كثيرا، وكانت لكِ أحلام كبيرة، الأن أصبحتِ شامخة كشجرة الليمون، لكن أحلامكِ تراجعت، أمتصها الزمن كما تمتص الأرض الماء، القطرة التي لا تتحول الى مجرى تلتهمها الرمال”.
ركضتْ كطفلة بمطبخِها الصغير، صرختْ ملئ قواها على موسيقى “إِيدِتْ بِييَافْ”، أغنيتها المفضلة „أنا لستُ نادما على شيء”، هل يُصبح الحلم جديدا بحلول سنة جديدة؟ لا تريدُ التخلص من أحلامها القديمة، أحلام الطفولة أو ما يشبه ذلك، دقات على الباب أعادتها إلى الهُنَا والآن، إنه “أَلِكْسْ”، يتَّهمها بإزعاج الهدوء العام ويقدمُ لها باقة ورود السَوْسَنْ الحمراء، كما يفعل عند كل زيارة.
ثلاثة أشهر مضت مند وصول ناديا الى بُودَابِسْتْ بالمجر في إطار منحة من إذاعة “بِي بِي سِي” بلندن بتعاون مع مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بمدينة طنجة شمال المغرب، دراسة حول، ومقارنة في أدب “نجيب سُرُور – إِيرِشْ كِسْتْنِرْ – محمد زفزاف”. ماذا يجمع هؤلاء الكتاب، الشعراء والفنانين وهم من دول مختلفة، مصر، ألمانيا والمغرب؟ بُودَاِبسْتْ عاصمة المجر هي المحطة الأولى، بعدها تلي مدينة كولونيا بألمانيا.
والدُها لم يكن سعيدا على سفرها بعيدا عن عائلتها. حاول كل ما في وسعه من أجل عرقلة ذهابها إلى بُودَاِبسْتْ، تدخَّل في مشروع أطروحتها، خصوصا حول “نجيب سُرور” و “محمد زفزاف”، موظف بالقطاع الحكومي، يمارس التجارة الى جانب عمله الإداري، ربما العكس هو الصحيح، ميسور الحال، يقرأ كثيرا، يعتبرُ كُتَّاب أطروحتها مُخْتَلونْ عقليا. سألته هل قرأ كتبهم من أجل الحكم عليهم. جوابه كان، يكفي ما يُقال عنهم. استرسلت ناديا، بالفعل، لقد قرأت لِ”نجيب سُرور” في أحد كتبه والتي هي موضوع دراستها “رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ”: “أجل.. قل لي ماذا تعاني أقل لك من أنت!”، نحن شعب يعاني الكثير، خصوصا الأحكام المسبقة بدون قناعة شخصية، “نجيب سُرور” يصف مجتمعنا بدون تعرج، كتاباته مرآة مجتمعنا، للأسف لم يُفْهَمْ ولم يبقى له إلا التقوقع الداخلي حتى الموت. نحن لا نعرف من هو الأبله: “نجيب سُرور” أم مجتمعنا المتخاذل؟، عَقَدَ والدها حاجبيه وغادر المنزل على وقع إغلاق الباب بقوة، غالبا ما تَصُب مثل هذه النقاشات مع والدها في الرمل، أحكامه جاهزة، أبيض أو أسود، وما بينهما غير موجود. في مثل هذه اللحظات تتدخل والدتها وهي تأكد لزوجها أن ناديا تعرف جيدا ما تفعل، وما عليه إلا المساعدة أو إلزام الصمت. الفضل في وجودها ببُودَابِسْتْ يرجعُ إلى أمها.
مند وصول ناديا الى بُودَابِسْتْ أصبحت تشعر وكأنها امرأة أخرى. هل هو الحنين أم شيء آخر لم يكن موجودًا بداخلها من قبل؟ المهم، لا تعرف السبب؟ قضت السنوات الأخيرة بمدينة طنجة حيث تدرسُ، حوالي مائتين كيلومتر عن عائلتها بالقنيطرة، ناديا لم تدخل في أي علاقة عاطفية، تخنقُ كل محاولات الرجال في بدايتها، وللذين لم يقتنعوا بذلك تواجههم أنها متزوجة وزوجها ينتظرها بالمغرب. أما علاقتها ب “أَلِكْسْ” فهي لا تعرف أي تفسير لها، دخل هذا الرجل إلى عالمها كما تدخل البرودة في عظام الجسد، إذا استحوذت عليه من الصعب ان تغادره، لا وقت الآن لتفسير المزيد، خصوصا وأن “أَلِكْسْ” جاء من كُولُونْيا إلى بُودَابِسْتْ لقضاء نهاية رأس السنة معها، يجب أن تُهيأ نفسها في أسرع وقت، فهي متأخرة كعادتها، سترافق “أَلِكْسْ” في زيارة لبعض أصدقاءه للاحتفال جميعا. سألتْ ناديا “أَلِكْسْ” أي لباس ترتدي اللية، أجابها أن الجمال الطبيعي لا يحتاج إلى مساعدة الملابس، هكذا دائما تكون أجوبته، لا تفرض عليها أمور بل تأكد ما تعزم على القيام به. ارتدت أجمل ما كانت تملك وفي نظرها يليق باحتفالات رأس السنة، قميص أحمر، وسروال داكن يميل إلى السواد، شعرها أسود طويل حتى المفصل، أحمر الشّفاه خفيف على شفتيها الرقيقتين. بالحمام، وقف “أَلِكْسْ” خلفها، ضمّها إليه، قبض يديها بتوتر واضح، أغمض عينيه، استنشق كل الهواء وقال: ناديا، الألوان الساطعة تليق ببشرتكِ السمراء، يا وردة الصحاري. مَالَ برأسه، شفتاه على شفتيها، كل حواس جسمه التحمت حول قبلات حميمية. في مثل هذه اللحظات يقول مرحبا حتّى للموت.
“عندما كنتِ صغيرة، كنتِ تحلمين كثيرا، وكانت لكِ أحلام كبيرة، الأن أصبحتِ شامخة كشجرة الليمون، لكن أحلامكِ تراجعت، أمتصها الزمن كما تمتص الأرض الماء، القطرة التي لا تتحول الى مجرى تلتهمها الرمال”. ركضتْ كطفلة بمطبخِها الصغير، صرختْ ملئ قواها على موسيقى “إِيدِتْ بِييَافْ”، أغنيتها المفضلة „أنا لستُ نادما على شيء”، هل يُصبح الحلم جديدا بحلول سنة جديدة؟ لا تريدُ التخلص من أحلامها القديمة، أحلام الطفولة أو ما يشبه ذلك، دقات على الباب أعادتها إلى الهُنَا والآن، إنه “أَلِكْسْ”، يتَّهمها بإزعاج الهدوء العام ويقدمُ لها باقة ورود السَوْسَنْ الحمراء، كما يفعل عند كل زيارة. ثلاثة أشهر مضت مند وصول ناديا الى بُودَابِسْتْ بالمجر في إطار منحة من إذاعة “بِي بِي سِي” بلندن بتعاون مع مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بمدينة طنجة شمال المغرب، دراسة حول، ومقارنة في أدب “نجيب سُرُور – إِيرِشْ كِسْتْنِرْ – محمد زفزاف”. ماذا يجمع هؤلاء الكتاب، الشعراء والفنانين وهم من دول مختلفة، مصر، ألمانيا والمغرب؟ بُودَاِبسْتْ عاصمة المجر هي المحطة الأولى، بعدها تلي مدينة كولونيا بألمانيا. والدُها لم يكن سعيدا على سفرها بعيدا عن عائلتها. حاول كل ما في وسعه من أجل عرقلة ذهابها إلى بُودَاِبسْتْ، تدخَّل في مشروع أطروحتها، خصوصا حول “نجيب سُرور” و “محمد زفزاف”، موظف بالقطاع الحكومي، يمارس التجارة الى جانب عمله الإداري، ربما العكس هو الصحيح، ميسور الحال، يقرأ كثيرا، يعتبرُ كُتَّاب أطروحتها مُخْتَلونْ عقليا. سألته هل قرأ كتبهم من أجل الحكم عليهم. جوابه كان، يكفي ما يُقال عنهم. استرسلت ناديا، بالفعل، لقد قرأت لِ”نجيب سُرور” في أحد كتبه والتي هي موضوع دراستها “رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ”: “أجل.. قل لي ماذا تعاني أقل لك من أنت!”، نحن شعب يعاني الكثير، خصوصا الأحكام المسبقة بدون قناعة شخصية، “نجيب سُرور” يصف مجتمعنا بدون تعرج، كتاباته مرآة مجتمعنا، للأسف لم يُفْهَمْ ولم يبقى له إلا التقوقع الداخلي حتى الموت. نحن لا نعرف من هو الأبله: “نجيب سُرور” أم مجتمعنا المتخاذل؟، عَقَدَ والدها حاجبيه وغادر المنزل على وقع إغلاق الباب بقوة، غالبا ما تَصُب مثل هذه النقاشات مع والدها في الرمل، أحكامه جاهزة، أبيض أو أسود، وما بينهما غير موجود. في مثل هذه اللحظات تتدخل والدتها وهي تأكد لزوجها أن ناديا تعرف جيدا ما تفعل، وما عليه إلا المساعدة أو إلزام الصمت. الفضل في وجودها ببُودَابِسْتْ يرجعُ إلى أمها. مند وصول ناديا الى بُودَابِسْتْ أصبحت تشعر وكأنها امرأة أخرى. هل هو الحنين أم شيء آخر لم يكن موجودًا بداخلها من قبل؟ المهم، لا تعرف السبب؟ قضت السنوات الأخيرة بمدينة طنجة حيث تدرسُ، حوالي مائتين كيلومتر عن عائلتها بالقنيطرة، ناديا لم تدخل في أي علاقة عاطفية، تخنقُ كل محاولات الرجال في بدايتها، وللذين لم يقتنعوا بذلك تواجههم أنها متزوجة وزوجها ينتظرها بالمغرب. أما علاقتها ب “أَلِكْسْ” فهي لا تعرف أي تفسير لها، دخل هذا الرجل إلى عالمها كما تدخل البرودة في عظام الجسد، إذا استحوذت عليه من الصعب ان تغادره، لا وقت الآن لتفسير المزيد، خصوصا وأن “أَلِكْسْ” جاء من كُولُونْيا إلى بُودَابِسْتْ لقضاء نهاية رأس السنة معها، يجب أن تُهيأ نفسها في أسرع وقت، فهي متأخرة كعادتها، سترافق “أَلِكْسْ” في زيارة لبعض أصدقاءه للاحتفال جميعا. سألتْ ناديا “أَلِكْسْ” أي لباس ترتدي اللية، أجابها أن الجمال الطبيعي لا يحتاج إلى مساعدة الملابس، هكذا دائما تكون أجوبته، لا تفرض عليها أمور بل تأكد ما تعزم على القيام به. ارتدت أجمل ما كانت تملك وفي نظرها يليق باحتفالات رأس السنة، قميص أحمر، وسروال داكن يميل إلى السواد، شعرها أسود طويل حتى المفصل، أحمر الشّفاه خفيف على شفتيها الرقيقتين. بالحمام، وقف “أَلِكْسْ” خلفها، ضمّها إليه، قبض يديها بتوتر واضح، أغمض عينيه، استنشق كل الهواء وقال: ناديا، الألوان الساطعة تليق ببشرتكِ السمراء، يا وردة الصحاري. مَالَ برأسه، شفتاه على شفتيها، كل حواس جسمه التحمت حول قبلات حميمية. في مثل هذه اللحظات يقول مرحبا حتّى للموت. “أَلِكْسْ” صحفي، يعمل كمراسل لمجموعة من المجلات الألمانية، يتنقَّل بين بُودَاِبسْتْ بالمجر وكُولُونْيَا بألمانيا، في منتصف الثلاثينات من العمر، رجل من أصول مجرية ألمانية، يحب الفن، الأدب والسفر، كل علاقاته مع النساء لم تكن مفلحة، يُرجع سبب ذلك الى سطحية النساء الاتي تعرف عليهن، في علاقة حب وكراهية مع مدينة كُولُونْيا، يحبُ ألوانها المختلفة، البشرية، الثقافية والعمرانية. يكرهُ مثلا اكتظاظ حركة السير والبحث الدائم عن مكان مناسب لاستيداع سيارته. يُفضل بُودَابِسْتْ في الصيف والشتاء، في الشتاء بحماماتها التركية العتيقة، وفي الصيف التجوُّل على قناطرها التاريخية والجلوس بواحات المقاهي التي تتوسط بناياتها المهجورة، أحَبَّ “أَلِكْسْ” بُودَابِسْتْ أكثر بعد تعرفه على ناديا. في الطريق بالمِيتْرُو أسندتْ ناديا رأسها على كتفِ “أَلِكْسْ” وسأَلتهُ عن المضيفون والضيوف.”كَاتَلِينْ” و”تَمَاشْ” هم أصحاب البيت، أناس طيّبون، أعرفهم مند مدة طويلة، خصوصا “كَاتَلِينْ”، درسنا جميعا في نفس الثانوية وحصلنا سويا في نفس السنة على “الأَبِيتُورْ”، الباكالوريا الألمانية. لذا شاءت الظروف ان نلتقي من جديد ببُودَابِسْتْ. “كَاتَلِينْ” فضولية الطباع، ستُحاول ان تتعرَّف عليكِ من خلال طرح أسئلة كثيرة. تريد دائما معرفة كل التفاصيل. أتمنى ألا تحرجكِ أسئلتها. أما “تَمَاشْ” فهو رجل اعمال، مدير بشركة “أُودِي” للسيارات هنا بالمجر، غريب شيئا ما، دعيني أقول إنني لا أعرفه جيدا. “كَاتَلِينْ” و “تَمَاشْ” لهم أصدقاء كثيرون، خصوصا المجر ذو الأصل الألماني، أحيانا أعتقد أن “كَاتَلِينْ” تحبُ الاحتفال بكل مناسبة، تبحثُ عن الألفة وسط الأصدقاء، ربما تشعرُ بالوحدة مع “تَمَاشْ”، لا أدرى، من المحتل أن يكونوا اناس آخرون هناك. استغرقَ الطريق حوالي نصف ساعة. الاستقبال كان حارّا، خصوصا من “كَاتَلِينْ”، لقد حكى لِي “أَلِكْسْ” الكثير عنكِ وأنا سعيدة للتعرف عليكِ، استحضرت ناديا ما قاله لها “أَلِكْسْ” عن فضولية “كَاتَلِينْ”. البيت بالطابق الثاني، العمارة بُنِيت على أقدام جبل “كِلِرْتْ Gellért„، على الضفة الأخرى من نهر الدنوب،”بُودا”. الشقة تبدو واسعة، كل الضيوف اجتمعوا على البلكون الذي يطل على النهر، النبيذ الأحمر المجري والبيرا الألمانية يرافقون الحفل وقهقهات الرجال ترتفع مع تقدم الليل، أكدت”كَاتَلِينْ” أكثر من مرة أنها سعيدة بحضور ناديا، شرحتْ لها أن “الكُولَاشْ” حلال، لحم البقر، اشترته لدى الأتراك بالمدينة. هيَّأته بطريقتها بدون استعمال النبيذ الأحمر كما هو معتاد. شكرت ناديا “كَاتَلِينْ” عن حُسن الضيافة واتفقتا ان تلتقيا من جديد للتعرف على المدينة. في طريق العودة بالتاكسي كان “أَلِكْسْ” في ثمالة لاَ تعرفُها نَادْيَا عنه من قبل. ألقى بنفسه على أقرب أريكة بالغرفة، تَرْتَرَ كلام لم تَفهمهُ، ربما ألماني أو مَجَرِي، وقف، مشى هنا وهناك، أخيرًا فهمت ما يُتَعتِعُ: “دَعَوْتُ السماء والأرض ليحتفلوا معي، رفضت السماء الحضور بدعوى منكر، غضبت الأرض وهي تعزف سمفونية الحياة لي. قلتُ للسماء والأرض، كفاني الاحتفال مع وردتي، وردة الصحاري…” نَامَ “أَلِكْسْ” على الأريكة بدون تنظيف أسنانه.