تاكسي بِكِينْ | Taxi Peking
بِكِينْ - الصِّين الشعبية | Peking - Chinaتاكسي بِكِينْ | Taxi Peking
نورالدين الغَطَّاسْ – NOUREDDINE RHATTAS
السماء زرقاء واضحة، الجو بارد رغم أشعة الشمس، مدينة بِكينْ بالصّين الشعبية ترتدي قماشا آخر ليس كعادتها. خلال زياراتي السابقة، غالبا ما تعلو المدينة عمامة سوداء، تأثير الصناعة الثقيلة على المناخ وشمة على وجهها، لا تَنْمَحي، بِكِينْ تخنقٌ سُكانها وزُوارها. كم يرحبون زملائي الصِّينيين بزيارات القادة الأجانب أو احتضان بِكِينْ لأحد المؤتمرات الدولية، حينها يتم توقيف الإنتاج والصناعة الثقيلة لأيام عديدة، تتنفس السماء من خلالها الصعداء، يندثر الضباب الدخاني الداكن من على أجواء المدينة.
رغم كل الصعوبات في التواصل وصلت أخيرا إلى السوق التقليدي، ٢٤ ين صيني هذا ما قرأته على حاسب التاكسي، قدمت له ورقة ١٠٠ ين صيني، لوّح سائق التاكسي بحركات جعلتني أفهم أن ليس لديه الصرف، تماطى إلى محفظة نقودي وهو يريدني أن أفتحها، أشار إلى ورقة نقدية ٥٠ يورو، أصبح الرجل هستيريا، رغوة تخرج من جوانب فمه، عرفت أنه يريد ورقة ٥٠ يورو، قلتُ له لا يمكن وكل منا يتكلم بلغته، ٥٠ يورو تعني ما يقارب ٣٥٠ ين صيني، والحساب فقط ٢٤ ين صيني، غادر الرجل سيارته، فتح الباب حيث أجلس، ونترني بملء قوة يديه للوقوف على قارعة الطريق، تركته يلعن بصوت عالي ووجوه المارة تراقبني وكأنني كائن من نجم آخر…
صدِّقوني، بعد ثلاثة أشهر رجعت مرة أخرى إلى مدينة بكين، وقفت من جديد على حافة شارع ما أبحث عن تاكسي ليقيلني الى أحد المطاعم للعشاء مع زملائي، إذ أجدني في نفس التاكسي مع نفس السائق، يا لها من حماقة الصدفة رغم أكثر من ٢٠ مليون نسمة ببكين ، استحضرني الرجل، ضحكَ حتي الأذنين، بعد وصولنا قدمت له ١٠٠ ين صيني، فحصها طويلا، أشار لي أنها مزيفة، قدمت له أوراق نقدية أخرى، فحصها من جديد، إنها كذلك مزيَّفة، إذن لم يبقى لي إلا أن أقدم له ٥٠ يورو، خرج وهو يفتح لي باب التاكسي، ينحني في خشوع ويترتر كلاما لوداعي، عيون المارة تمتلئ بهجة وتنحني كذلك لِتُحَيِّينِي.
غريب هذا الأمر، في مدينة بكين يعيش أكثر من ٢٠ مليون إنسان، أخيرًا الحياة قسمة ونصيب، لم يخدعني هذا الرجل الصِّيني، بالفعل كل الأوراق البنكية مزوّرة، رغم حصولي عليها في صباح ذلك اليوم من أحد الشبابيك الأوتومتيكية ب “لند مارك تاور”landmark towers.
خرجتُ من فندق “الشِيراتُنْ” وطلبتُ من البوّاب تاكسي، فتحتُ خريطة الجِيبْ المصغرة التي كانت بحوزتي، وضعتُ أصبعي على الدائرة التي رسمتها من قبل، قلتٌ له بالإنجليزي، أريد الذهاب إلى “سِلْكْ مَرْكِتْ” Silk Market ، السوق التقليدي، دار حوار بين بوَّاب الفندق وسائق التاكسي، انطلق السائق وهو يقول “آه آه آه” مؤكدا أنَّه فَهِمَ مقصدي. أجلسُ خلف السائق يمينا، تلتقي أعيننا على المرآة التي تتوسط التاكسي، أجد دائما صعوبة في تقدير سن الصِّينيين، رجال ونساء، حاولت ذلك مرارا مع زملائي وزميلاتي الصِّينيين، دائما بدون جدوى، يبدو أن الطبيعة تخجل من تفاقم السنين على وجوه أهل الصِّين الشعبية. عند إشارة المرور القادمة استدار السائق نحوي، أومأ برأسه، رسم إبتسامة واسعة، فمه فارغ من الأسنان، الشيء الذي لا يعني دائما أن صاحبه مسن، بعد حين توقف التاكسي على جانب الطريق، طلب مني السائق المغادرة، أشار بيده إلى إحدى البنايات العالية، عرفت بعد ذلك أن تلك البناية ليست السوق التقليدي المنشود، وجدتُ نفسي مرة أخرى على قارعة الطريق، أبحثٌ عن تاكسي جديد، كثير من المحاولات كللت بالفشل، كلما إكتشف سائق التاكسي أنني أجنبي بدون مرافقة محلية، يضغطُ على المُسرِّع ويختفي. أخيرا تاكسي صَبٌور، فتحت خريطة مدينة بكين، حلَّقَ كثيرا في مكان أصبعي على الخريطة، تمادى سائق التاكسي بيده ليفتح أمامي باب السيارة، جلست بالخلف كالعادة، الرجل الصيني يُركز عيونه اللوزية الشكل بين حين وآخر على خريطة المدينة التي مازالت مفتوحة أمامه، توقف التاكسي فجأة، تكلم الرجل بلغته التي لا أفهمها، رفع الخريطة إلى أعلى، ضبط نظاراته ذات الزجاج المنشق، حاولت معرفة ما بالأمر لكن بدون نتيجة، إذن لم يبقى لي إلا أن أقف مرة أخرى على قارعة الطريق وأنتظر تاكسي جديد.
خرجتُ من فندق “الشِيراتُنْ” وطلبتُ من البوّاب تاكسي، فتحتُ خريطة الجِيبْ المصغرة التي كانت بحوزتي، وضعتُ أصبعي على الدائرة التي رسمتها من قبل، قلتٌ له بالإنجليزي، أريد الذهاب إلى “سِلْكْ مَرْكِتْ” Silk Market ، السوق التقليدي، دار حوار بين بوَّاب الفندق وسائق التاكسي، انطلق السائق وهو يقول “آه آه آه” مؤكدا أنَّه فَهِمَ مقصدي. أجلسُ خلف السائق يمينا، تلتقي أعيننا على المرآة التي تتوسط التاكسي، أجد دائما صعوبة في تقدير سن الصِّينيين، رجال ونساء، حاولت ذلك مرارا مع زملائي وزميلاتي الصِّينيين، دائما بدون جدوى، يبدو أن الطبيعة تخجل من تفاقم السنين على وجوه أهل الصِّين الشعبية. عند إشارة المرور القادمة استدار السائق نحوي، أومأ برأسه، رسم إبتسامة واسعة، فمه فارغ من الأسنان، الشيء الذي لا يعني دائما أن صاحبه مسن، بعد حين توقف التاكسي على جانب الطريق، طلب مني السائق المغادرة، أشار بيده إلى إحدى البنايات العالية، عرفت بعد ذلك أن تلك البناية ليست السوق التقليدي المنشود، وجدتُ نفسي مرة أخرى على قارعة الطريق، أبحثٌ عن تاكسي جديد، كثير من المحاولات كللت بالفشل، كلما إكتشف سائق التاكسي أنني أجنبي بدون مرافقة محلية، يضغطُ على المُسرِّع ويختفي. أخيرا تاكسي صَبٌور، فتحت خريطة مدينة بكين، حلَّقَ كثيرا في مكان أصبعي على الخريطة، تمادى سائق التاكسي بيده ليفتح أمامي باب السيارة، جلست بالخلف كالعادة، الرجل الصيني يُركز عيونه اللوزية الشكل بين حين وآخر على خريطة المدينة التي مازالت مفتوحة أمامه، توقف التاكسي فجأة، تكلم الرجل بلغته التي لا أفهمها، رفع الخريطة إلى أعلى، ضبط نظاراته ذات الزجاج المنشق، حاولت معرفة ما بالأمر لكن بدون نتيجة، إذن لم يبقى لي إلا أن أقف مرة أخرى على قارعة الطريق وأنتظر تاكسي جديد.
رغم كل الصعوبات في التواصل وصلت أخيرا إلى السوق التقليدي، ٢٤ ين صيني هذا ما قرأته على حاسب التاكسي، قدمت له ورقة ١٠٠ ين صيني، لوّح سائق التاكسي بحركات جعلتني أفهم أن ليس لديه الصرف، تماطى إلى محفظة نقودي وهو يريدني أن أفتحها، أشار إلى ورقة نقدية ٥٠ يورو، أصبح الرجل هستيريا، رغوة تخرج من جوانب فمه، عرفت أنه يريد ورقة ٥٠ يورو، قلتُ له لا يمكن وكل منا يتكلم بلغته، ٥٠ يورو تعني ما يقارب ٣٥٠ ين صيني، والحساب فقط ٢٤ ين صيني، غادر الرجل سيارته، فتح الباب حيث أجلس، ونترني بملء قوة يديه للوقوف على قارعة الطريق، تركته يلعن بصوت عالي ووجوه المارة تراقبني وكأنني كائن من نجم آخر…
صدِّقوني، بعد ثلاثة أشهر رجعت مرة أخرى إلى مدينة بكين، وقفت من جديد على حافة شارع ما أبحث عن تاكسي ليقيلني الى أحد المطاعم للعشاء مع زملائي، إذ أجدني في نفس التاكسي مع نفس السائق، يا لها من حماقة الصدفة رغم أكثر من ٢٠ مليون نسمة ببكين ، استحضرني الرجل، ضحكَ حتي الأذنين، بعد وصولنا قدمت له ١٠٠ ين صيني، فحصها طويلا، أشار لي أنها مزيفة، قدمت له أوراق نقدية أخرى، فحصها من جديد، إنها كذلك مزيَّفة، إذن لم يبقى لي إلا أن أقدم له ٥٠ يورو، خرج وهو يفتح لي باب التاكسي، ينحني في خشوع ويترتر كلاما لوداعي، عيون المارة تمتلئ بهجة وتنحني كذلك لِتُحَيِّينِي.
غريب هذا الأمر، في مدينة بكين يعيش أكثر من ٢٠ مليون إنسان، أخيرًا الحياة قسمة ونصيب، لم يخدعني هذا الرجل الصِّيني، بالفعل كل الأوراق البنكية مزوّرة، رغم حصولي عليها في صباح ذلك اليوم من أحد الشبابيك الأوتومتيكية ب “لند مارك تاور”landmark towers.