لاَ لاَّ عَايْشه | Lala Aicha
الدارالبيضاء - المغرب | Casablanca - Marokkoلاَ لاَّ عَايْشه | Lala Aicha
نورالدين الغَطَّاسْ – NOUREDDINE RHATTAS
أحيانًا تَتحقق بعض الأمنيات ببطء، حتى نستطيع إدراك قِيمَتَهَا…
لِكٌلٍ منا حكايَتَهُ، لكن حكاية نَادْيَا ونَوْفل وِسَامْ من طراز آخر. بدأتْ بالقنيطرة المغرب، عبرَ بودابست بالمجر، ثم كولونيا بألمانيا، وأخيرا الدارالبيضاء. قال نْوْفَلْ لناديا يوما ما “ماذا أقولُ لأمي إذا سقطَ القمر؟”، اِبتسمتْ كعادتها وهي تمسحُ بيدها على شعرها الطويل. كانتْ شغوفة بالأدب، خصوصا الأدب الألماني. حكاية نَوْفَلْ ونَادْيَا ستأتي في أبواب، أولها “لا لاَّ عَايْشَه”…
وَدَاعْ
في صباحٍ مَا،
لم تستيقظ أبدًا،
لكن العصافير تغرِّدُ،
كما كانت تُغرِّدُ البارحَة،
لا شيء يُغيِّرُ مجرَى هذا اليوم الجديد – فقط رحيلك،
الآن أنت حر،
ودموعنَا تتمنى لك حُسْن الحَظّ…
استلقتْ نَادْيَا على السرير، تحاولُ النوم من جديد، بجانبِهَا باقة ورود السَوْسَنْ الحمراء.
أمام باب المقبرة اشترى نوفل “الشّْرِيحَه”، حبات التين المجفَّف، وزَّعها على أيدي الأطفال والعجزة من حوله، قبل أن يعودَ نَوْفَل بصحبة مُو إلى بيت “لاَ لاَّ عَايْشَه”، أم أحد أصدقاءه بألمانيا حيث يقيم. “لاَ لاَّ عَايْشَه” كانت تنتظرهم للغداء. كُسْكٌسْ مغربي كثيرُ الخُضر، خصوصا بالبطاطا الحلوة والقرع الأخضر. “لا لاَّ عَايْشَه” امرأة بسيطة، تعيشُ في شقة صغيرة ب “دْيُورْ البٌولِيسْ”، بُنِيت يوما ما لرجال الشرطة. بنايات عالية وضيِّقة، تآكلت الى حد الإهمال والتهميش. لم يَكُنْ من السهل العثور على الجناح الذي تسكنُ فيه “لا لاَّ عَايْشَه”، الأزقة جد ضيقة، تحوَّلتْ إلى برُكات من الماء يصعبُ تجاوزها، رائحة الطعام تفوحُ من النوافذ المفتوحة، تغزو الأنوف، على امتداد البصر غسيل منشور بالأسلاك المُمطَّطة خارج النوافذ. قالت “لا لاَّ عَايْشَه” وهي تهيأُ الشاي بالشِّيبَه بعد الأكل، الشُقق هنا كعلب السردين، متساوية وضيِّقة. رغم وجود شُقَّتها بالطابق الرابع قررتْ أن يَكُونَ لها باب ثاني من الحديد والفولاذ، حماية لها من السرقة التي تحصل في ضوء النهار.
نَوْفَل يُصغي إلى كلام “لا لاَّ عَايْشَه”، الكلمات تَلْتَصِقُ بحلقه، ترفضُ العبور إلى لسانه، فَمُهُ يغرق في لعاب غداياه. محاولتَهُ لابتلاع ريقه كأنَّها كرة تِّنِسْ تخنقُ قصبتَهُ الهوائية. ركَّز النّظر في وجه “لا لّاََ عَايْشَه”، المحن رسمت تجاعيدها أفقيًا وعموديًا على وجه هذه المرأة، أما الأسنان فقد غادرت فمها مند حقبة طويلة، عندما تتكلم ينكمشُ وجهها، يرسمُ آثار محن الزمن المتخاذل. استخلصتْ “لا لاَّ عَايْشَه” ان الكثير من الناس مازالوا يعيشون كَ “الدَبَّانَة في لَبْطَانَه”، حياة الدٌبابة في جلد الغنم. كلام لفرقة “نَاسْ الغِيوَانْ” الموسيقية. سَأَلَتْ نَوفل عن زيارته، فقال، فقط أسبوع ليتعرَّفَ مُو عن المدن التي كانت تحبها نَادْيَا، طنجة، شفشاون وأخيرا أصيلا. سألتْهُ، ألم يزوروا القنيطرة؟ لا، لم يزُر القنيطرة مند أكثر من خمس سنوات، لازال غير مستعد داخليا. وضعتْ طقم أسنانها وقالت، حتى نَادْيَا كانت ترفضُ زيارة القنيطرة بعد رجوعها. يجب ان تكونوا سعداء أنكم خرجتم الى هناك. “لا لاَّ عَايْشَه” تعرف الكثير من الشباب الغير المحظوظين، يتسكعون في الشوارع، عالة على عائلاتهم، ينحرفُون الى أمور بشعة، السجُون مكتظة بهم… لقد بِعْتُ كل ماله قيمة لكي يخرج ابني ابراهيم. بَلَّغْ سلامي له وقل لهُ أن أمك لازالت تقاوم وأن “القَضِيَّه” وصلت الى محكمة النقض بالعاصمة الرباط. بعد صلاة العصر ودَّع نَوفل ومُو “لا لاَّ عَايْشَه” قبل التوجه إلى مطار محمد الخامس، رجوعا الى ألمانيا.
غالبًا لا نحتاجُ إلى الكثير من أجل السعادة، ربما ابتسامة، لمسة، قُبلة، كلمة، لكن نحتاج إلى الكثير من أجل النسيان، خصوصا إذا كان السفر إلى الأفق الأعلى. الشوق يأكلُ النفس والجسد كما تأكلُ الحلزون أوراق الزهور في ندى الصباح. قُوَّة الإنسان كبيرة من أجل المقاومة، رغم ذلك يبقى التذكار نوع من الشك، إلى حد ما. غابَ النَّوْمُ عن نوفل بالطائرة، على عكس مُو الذي دخل فورا في نومٍ عميق بعد إقلاع الطائرة …
رجل تجاوزَ الأربعين، اسمهُ نَوْفل وِسَامْ، أَسْمَرُ اللَّوْن، شعرهُ أسود متجعِّد، تَتَوَسَّطُهُ صلعة خفيفة، نظاراته الشمسية تحجبُ عنهُ شمس الصباح المنحدرة، بجانبِهِ طفل، اسمه مُو Mo، لا زال لم يتجاوز العشر سنوات، أشقرُ البشرة، شعرهُ أمْلس وطويل حتى الكتفين، يقفونَ أمام ركمة من التراب، أمطار الليلة البارحة رسمتْ خطوطا عميقة عليها، ندى الصباح يلمعُ على الأعشاب المجاورة، يتواجدون في مدينة كبيرة لا يعرفُونَها جيِّدا، الدارالبيضاء، وبالتحديد بالحي الَمحمَّدِي. هُنَا تنامُ امرأة في مرقدها الأخير، اسمُها نَادْيَا، قال نوْفل باللغة الألمانية لِمُو، مما لا شك فيه، نَادْيَا سعيدة لرؤيتِنَا. أَخْرَجَ مُو من جيبه صورة لنَادْيَا تُقَبِّلُهُ بحرارة على خده الملطَّخ بالشُوكُولاَته، قبَّل الصورة وضمَّها الى صدره كما يَفْعَلُ الأطفال عندما يخشوْن ضياع لُعبِهم، قال ببراءة وصوت منخفض، مَتَى تَسْتَيْقِظِينْ؟، استدار مُو يمينا وغَمَصَ وجهه بين سيقان نَوْفل وانطلق يبكي. انْحَنَى نَوْفل وضم مٌو الى صدره وهو يحاول بدوره مقاومة الدموع.
مُرتِّل القرآن بالمقبرة يرتدي جلباب كان يوما ما أبيض، يَقْبعُ على مؤخرة قدميه بجانب القبر، صوته العالي يَتَهَدَّج، يتذبذبُ بين أقصى وأدنى، كلماتُه تتقاطعُ في الأفق، غير مفهومة. استطاع نَوْفَلْ بجهد كبير ان يُفْرِزَ آخر قراءاته، ربما صورة “القدر”، ألقى نَوْفل نظرة خفيفة الى مُو قبل أن ينحني على القبر ويضعُ عليه باقة ورود السَوْسَن الحمراء كما كانت تُحِبها نَادْيَا، إلى حد ما حَجَبَتْ الورود شاهدة القبر المكتُوب عليها:
“حينما نَموت لا تبحثُوا عن قبورِنَا في التُّراب، ولكن ابحثُوا عنَّا في قلوب النَّاس”، جلال الدِّين الرومي.
ترجم نَوْفَل لِمُو ما كُتِبَ على شاهدة القبر وزاد قائلا، نَادْيَا ستبقى بقلوبنا الى الأبد، البعد أو القرب لم يكونا يومًا ما معيارًا لحرارة الحب الإنساني. تذَكَّر نَوْفل آخر لقاء له مع ناديَا هناك بألمانيا، قبل رُجُوعِها الأخير الى المغرب ورحيلها الأبدي. كان يوم احتفالات الوحدة الألمانية، بداية أكتوبر، تجلسُ وحيدة على مائدة الإفطار، مُمزَّقَةُ الداخل، خطوات الممرضات بالخارج تُكسِّرُ صمتَ الصباح، ترفعُ أعْيُنَهَا إلى أعلى، سماء غائمة، أوراق الأشجار بدأتْ تفقد لونها الأخضر، بعضُها يَمِيلُ إلى الصفرة ويتساقطُ على الأرض، فجأة، يصطدمُ عصفور بالنافذة المتواجدة على جانبِهَا الأيمن، ربما خَدَعَتِ النوافذ الكبيرة العصفور وكأنَّها امتداد للخارج، يعودُ العصفور مرة أخرى ليصطدم بالنافذة من جديد، وقفتْ نَادْيَا وفتحتْ الجزء الأعلى من النافدة، قالت بداخلها، لا أريدُ هذا العصفور أن يقاوم من أجل البقاء، يكفي أنني أتَكَفَّلُ بذلك مند سنوات، رفرفَ العصفور بداخل الحجرة قبل أن يَحُطَّ على الكرسي الفارغ المقابل لها، نظرَ إليها نظرات مِلْئُهَا الحيرة والتساؤل. رفرفَ من جديد ليختفي في فضاء اللامحدود، تكسرتِ الغيوم وأشرقتِ الشمس للحظة. أخرجتْ نَادْيَا ورقة حمراء تبدو منكمشة، مكتوب عليها ما قَرأته البارحة على نوْفل، ترجَمَتُهَا لكلماتْ أحد أعمدة الأدب الألماني “يُوهَانْ فُولْفْجَانْج فُنْ جُوتَه”:
رجل تجاوزَ الأربعين، اسمهُ نَوْفل وِسَامْ، أَسْمَرُ اللَّوْن، شعرهُ أسود متجعِّد، تَتَوَسَّطُهُ صلعة خفيفة، نظاراته الشمسية تحجبُ عنهُ شمس الصباح المنحدرة، بجانبِهِ طفل، اسمه مُو Mo، لا زال لم يتجاوز العشر سنوات، أشقرُ البشرة، شعرهُ أمْلس وطويل حتى الكتفين، يقفونَ أمام ركمة من التراب، أمطار الليلة البارحة رسمتْ خطوطا عميقة عليها، ندى الصباح يلمعُ على الأعشاب المجاورة، يتواجدون في مدينة كبيرة لا يعرفُونَها جيِّدا، الدارالبيضاء، وبالتحديد بالحي الَمحمَّدِي. هُنَا تنامُ امرأة في مرقدها الأخير، اسمُها نَادْيَا، قال نوْفل باللغة الألمانية لِمُو، مما لا شك فيه، نَادْيَا سعيدة لرؤيتِنَا. أَخْرَجَ مُو من جيبه صورة لنَادْيَا تُقَبِّلُهُ بحرارة على خده الملطَّخ بالشُوكُولاَته، قبَّل الصورة وضمَّها الى صدره كما يَفْعَلُ الأطفال عندما يخشوْن ضياع لُعبِهم، قال ببراءة وصوت منخفض، مَتَى تَسْتَيْقِظِينْ؟، استدار مُو يمينا وغَمَصَ وجهه بين سيقان نَوْفل وانطلق يبكي. انْحَنَى نَوْفل وضم مٌو الى صدره وهو يحاول بدوره مقاومة الدموع.
مُرتِّل القرآن بالمقبرة يرتدي جلباب كان يوما ما أبيض، يَقْبعُ على مؤخرة قدميه بجانب القبر، صوته العالي يَتَهَدَّج، يتذبذبُ بين أقصى وأدنى، كلماتُه تتقاطعُ في الأفق، غير مفهومة. استطاع نَوْفَلْ بجهد كبير ان يُفْرِزَ آخر قراءاته، ربما صورة “القدر”، ألقى نَوْفل نظرة خفيفة الى مُو قبل أن ينحني على القبر ويضعُ عليه باقة ورود السَوْسَن الحمراء كما كانت تُحِبها نَادْيَا، إلى حد ما حَجَبَتْ الورود شاهدة القبر المكتُوب عليها:
“حينما نَموت لا تبحثُوا عن قبورِنَا في التُّراب، ولكن ابحثُوا عنَّا في قلوب النَّاس”، جلال الدِّين الرومي.
ترجم نَوْفَل لِمُو ما كُتِبَ على شاهدة القبر وزاد قائلا، نَادْيَا ستبقى بقلوبنا الى الأبد، البعد أو القرب لم يكونا يومًا ما معيارًا لحرارة الحب الإنساني. تذَكَّر نَوْفل آخر لقاء له مع ناديَا هناك بألمانيا، قبل رُجُوعِها الأخير الى المغرب ورحيلها الأبدي. كان يوم احتفالات الوحدة الألمانية، بداية أكتوبر، تجلسُ وحيدة على مائدة الإفطار، مُمزَّقَةُ الداخل، خطوات الممرضات بالخارج تُكسِّرُ صمتَ الصباح، ترفعُ أعْيُنَهَا إلى أعلى، سماء غائمة، أوراق الأشجار بدأتْ تفقد لونها الأخضر، بعضُها يَمِيلُ إلى الصفرة ويتساقطُ على الأرض، فجأة، يصطدمُ عصفور بالنافذة المتواجدة على جانبِهَا الأيمن، ربما خَدَعَتِ النوافذ الكبيرة العصفور وكأنَّها امتداد للخارج، يعودُ العصفور مرة أخرى ليصطدم بالنافذة من جديد، وقفتْ نَادْيَا وفتحتْ الجزء الأعلى من النافدة، قالت بداخلها، لا أريدُ هذا العصفور أن يقاوم من أجل البقاء، يكفي أنني أتَكَفَّلُ بذلك مند سنوات، رفرفَ العصفور بداخل الحجرة قبل أن يَحُطَّ على الكرسي الفارغ المقابل لها، نظرَ إليها نظرات مِلْئُهَا الحيرة والتساؤل. رفرفَ من جديد ليختفي في فضاء اللامحدود، تكسرتِ الغيوم وأشرقتِ الشمس للحظة. أخرجتْ نَادْيَا ورقة حمراء تبدو منكمشة، مكتوب عليها ما قَرأته البارحة على نوْفل، ترجَمَتُهَا لكلماتْ أحد أعمدة الأدب الألماني “يُوهَانْ فُولْفْجَانْج فُنْ جُوتَه”:
وَدَاعْ
في صباحٍ مَا،
لم تستيقظ أبدًا،
لكن العصافير تغرِّدُ،
كما كانت تُغرِّدُ البارحَة،
لا شيء يُغيِّرُ مجرَى هذا اليوم الجديد – فقط رحيلك،
الآن أنت حر،
ودموعنَا تتمنى لك حُسْن الحَظّ…
استلقتْ نَادْيَا على السرير، تحاولُ النوم من جديد، بجانبِهَا باقة ورود السَوْسَنْ الحمراء.
أمام باب المقبرة اشترى نوفل “الشّْرِيحَه”، حبات التين المجفَّف، وزَّعها على أيدي الأطفال والعجزة من حوله، قبل أن يعودَ نَوْفَل بصحبة مُو إلى بيت “لاَ لاَّ عَايْشَه”، أم أحد أصدقاءه بألمانيا حيث يقيم. “لاَ لاَّ عَايْشَه” كانت تنتظرهم للغداء. كُسْكٌسْ مغربي كثيرُ الخُضر، خصوصا بالبطاطا الحلوة والقرع الأخضر. “لا لاَّ عَايْشَه” امرأة بسيطة، تعيشُ في شقة صغيرة ب “دْيُورْ البٌولِيسْ”، بُنِيت يوما ما لرجال الشرطة. بنايات عالية وضيِّقة، تآكلت الى حد الإهمال والتهميش. لم يَكُنْ من السهل العثور على الجناح الذي تسكنُ فيه “لا لاَّ عَايْشَه”، الأزقة جد ضيقة، تحوَّلتْ إلى برُكات من الماء يصعبُ تجاوزها، رائحة الطعام تفوحُ من النوافذ المفتوحة، تغزو الأنوف، على امتداد البصر غسيل منشور بالأسلاك المُمطَّطة خارج النوافذ. قالت “لا لاَّ عَايْشَه” وهي تهيأُ الشاي بالشِّيبَه بعد الأكل، الشُقق هنا كعلب السردين، متساوية وضيِّقة. رغم وجود شُقَّتها بالطابق الرابع قررتْ أن يَكُونَ لها باب ثاني من الحديد والفولاذ، حماية لها من السرقة التي تحصل في ضوء النهار.
نَوْفَل يُصغي إلى كلام “لا لاَّ عَايْشَه”، الكلمات تَلْتَصِقُ بحلقه، ترفضُ العبور إلى لسانه، فَمُهُ يغرق في لعاب غداياه. محاولتَهُ لابتلاع ريقه كأنَّها كرة تِّنِسْ تخنقُ قصبتَهُ الهوائية. ركَّز النّظر في وجه “لا لّاََ عَايْشَه”، المحن رسمت تجاعيدها أفقيًا وعموديًا على وجه هذه المرأة، أما الأسنان فقد غادرت فمها مند حقبة طويلة، عندما تتكلم ينكمشُ وجهها، يرسمُ آثار محن الزمن المتخاذل. استخلصتْ “لا لاَّ عَايْشَه” ان الكثير من الناس مازالوا يعيشون كَ “الدَبَّانَة في لَبْطَانَه”، حياة الدٌبابة في جلد الغنم. كلام لفرقة “نَاسْ الغِيوَانْ” الموسيقية. سَأَلَتْ نَوفل عن زيارته، فقال، فقط أسبوع ليتعرَّفَ مُو عن المدن التي كانت تحبها نَادْيَا، طنجة، شفشاون وأخيرا أصيلا. سألتْهُ، ألم يزوروا القنيطرة؟ لا، لم يزُر القنيطرة مند أكثر من خمس سنوات، لازال غير مستعد داخليا. وضعتْ طقم أسنانها وقالت، حتى نَادْيَا كانت ترفضُ زيارة القنيطرة بعد رجوعها. يجب ان تكونوا سعداء أنكم خرجتم الى هناك. “لا لاَّ عَايْشَه” تعرف الكثير من الشباب الغير المحظوظين، يتسكعون في الشوارع، عالة على عائلاتهم، ينحرفُون الى أمور بشعة، السجُون مكتظة بهم… لقد بِعْتُ كل ماله قيمة لكي يخرج ابني ابراهيم. بَلَّغْ سلامي له وقل لهُ أن أمك لازالت تقاوم وأن “القَضِيَّه” وصلت الى محكمة النقض بالعاصمة الرباط. بعد صلاة العصر ودَّع نَوفل ومُو “لا لاَّ عَايْشَه” قبل التوجه إلى مطار محمد الخامس، رجوعا الى ألمانيا.
غالبًا لا نحتاجُ إلى الكثير من أجل السعادة، ربما ابتسامة، لمسة، قُبلة، كلمة، لكن نحتاج إلى الكثير من أجل النسيان، خصوصا إذا كان السفر إلى الأفق الأعلى. الشوق يأكلُ النفس والجسد كما تأكلُ الحلزون أوراق الزهور في ندى الصباح. قُوَّة الإنسان كبيرة من أجل المقاومة، رغم ذلك يبقى التذكار نوع من الشك، إلى حد ما. غابَ النَّوْمُ عن نوفل بالطائرة، على عكس مُو الذي دخل فورا في نومٍ عميق بعد إقلاع الطائرة …